كلمة العدد

 

الأملُ معقود على العراقيين الصامدين

في وجه المُخَطَّطْ الأمريكي الصهيونيّ الذي يستهدف تفتيت العراق

 

 

 

     لايمكن أن يُوْجَدَ على وجه الأرض مسلمٌ يعتقد أن أمريكا دَخَلَتِ العراقَ ومن قبلُ أفغانستانَ وهي تُضْمِرُ الخيرَ للأمة العربية والأمة الإسلاميّة ، وما قامت به فيهما وفي المنطقة العربية الواسعة – ولا تزال وستظلّ مالم تمنعها الله وأَخَذَ بيدها – كانت صادرةً فيه عن النزاهة والحياد والإرادة الطيبة لحلّ قضايانا الكثيرة – التي هي في مُعْظَمِها من خلق تَصَرُّفَاتِها الاستعمارية و مُمَارَسَاتِها الإِمْبِرْيَالِيَّة ، أو هي من مُخَلَّفَات الاستعمار السابق: بريطانيا بالمشرق العربي الواسع ، وفرنسا بالمغرب العربيّ – بل إنما دَخَلَتْهما لكي تُحَقِّقَ المكاسبَ الكثيرةَ الكبيرةَ التي حَقَّقَتْ بعضَها ، وبعضُها جارٍ تحقيقُها ، وهي ماضيةٌ قُدُمًا في سبيل تنفيذ مُخَطَّطِها الرهيب الذي أَعَدَّتْه بهذا الشأن مُسَبَّقًا.

     قد كان أَوَّلُ أهدافها السيطرةَ المباشرةَ الثَابتةَ البعيدةَ المدى على منابع البترول ، والتَّحَكُّمَ في أسعاره وتسويقه ؛ وبالتالي على الثروات الطبيعيّة الفائضة في أرضنا العربية الإسلامية ، ولاسيّما العراق الذي رَأَتْه دولةً إِستراتيجيّةً جدًّا للتحكّم في المنطقة وتسخيرها ، بالإضافة إلى تأمين إسرائيل وتحصينها من قدرته العسكرية الواعدة ، وهو هدف هامٌّ جدًّا من أهدافها الأساسية .

     وقد أكّد التقرير الاستراتيجي الأمريكي للطاقة بمناسبة حديثه عن تحدّيات القرن 21 أنّ دوافع احتلال العراق هي دوافع نفطية في المقام الأوّل . وصَرَّحَ «ديك تشيني» نائب الرئيس الأمريكي في دراسة له عام 1990م عندما كان يعمل في قطاع النفط : «أن من يسيطر على تدفق نفط الخليج ، سيقبض ليس فقط على خناق اقتصادنا ؛ بل أيضًا على خناق دول العالم الأخرى». وفي خطته التي أعلنها جورج بوش الابن الرئيس الأمريكي يوم 17/9/2001م (الاثنين : 28/ جمادى الثانية 1421هـ) أكّد المبررات التي ظلت تسوقها أمريكا والدول الكبرى الأخرى لحروبها للسيطرة على منابع النفط في العالم تحت شعار «تأمين مصادر الطاقة حمايةً للأمن القومي» حيث قال : «إن الولايات المتحدة ستستورد بعد عشرين عامًا نحو برميلين من كل ثلاثة براميل . وإن ذلك يُمَثِّلُ نوعًا من التبعيّة التي تُهَدِّد الأمنَ القوميّ الأمريكيّ» . واشتهرت في أمريكا وأوربّا مقولة للخبير الاستراتيجي «مايكل كولون» تقول : «إذا أردتَ أن تحكم العالَمَ ، فعليك بالسيطرة على النفط .. كلّ النفط» .

     وتحرّكت أمريكا فبادرت إلى السيطرة المباشرة على كل النفط بدءًا من نفط العالم العربي ، وعلى رأسه العراق الذي خالته معبرًا إلى تنفيذ ما بَيَّتَتْ تنفيذَه من المخططات المتنوعة ذات الأهداف والمصالح الموحّدة ، إلى جانب ما صنعته في العراق ومن قبل في أفغانستان : من تدمير تاريخنا وثقافتنا ، ومبدنيتنا وحضارتنا ، وعربيتنا وإسلاميتنا ، ومنهج حكمنا، وإطار إدارتنا ، وموارد اقتصادنا ، ومصارد معاشنا، وأرضنا وجوّنا ، ومحو آثارنا : من المباني القديمة ذات القيمة التاريخية ، والمساجد الأثرية ، ونهب وسلب المتاحف ذات النوادر التاريخية ، وتحطيم المعالم ذات الذكريات العزيزة اللذيذة ؛ وإصابتنا – إلى ذلك كلّه وغيره – بالخسائر البشرية ؛ فقد أكدت التقديرات الموثوق بها من قبل جهات عديدة داخلية وخارجية أن أكثر من ثلاث مئة ألف إنسان عراقي ذهب ضحيةً للحرب الأمريكية البريطانية على العراق وتداعياتها . وقتلُ عددٍ أكبرَ من الأمة العربية ، التي تنتمي إلى النبيّ العربي الأمي التهامي المطلبي الهاشمي القرشي : مح مئة ألف إنسان عراقي ذهب ضمد ، وإبادةُ عددٍ أكبرَ ممكن من الأمة الإسلامية – التي تدين بالإسلام الذي رضيه الله تعالى للعالمين ومن يبتغِ غيرَه دينًا فلن يُقْبَلَ منه – كان ولازال من «الأهداف النبيلة» لدى أمريكا الصليبيّة المُتَصَهْيِنَة . وإذا قسنا هذه الخسائر البشرية الهائلة للعراقيين – التي لاتزال تتزايد – بالخسائر البشرية للأمريكان ، وَجَدْنَا بينهما فرقًا شاسعًا ؛ حيث لم تصل خسارتهم حسب إعلانهم هم إلى ألفي قتيل . ولوضُرِبَ هذا العددُ في عدد أكبر منه أربع مرات أو خمس بل ست مرات ، لبقي أقلَّ من عدد القتلىٰ العراقيين .

     وإلى جانب استهداف المدنيين من عامّة الشعب بالقتل والإصابة ، اُسْتُهْدِفَ بالإبادة عددٌ كبيرٌ من العلماء المتخصصين في الذَّرَّة ، والأدباء والمثقفين بالثقافة العالية ، وأساتذة الجامعات والكليات البارعين ، والنخبة المتعلمة ، والأطباء والمهندسين ، والصحفيين والمفكرين . وقد بلغ عدد العلماء الذين تمت تصفيتهم 1500 على الأقلّ . وذلك لتفريغ العراق من محتواه العلمي . وقد أكّدت المصادر العليمة أن سياسة اغتيال العلماء والنخبة المثقفة من العراقيين وُضِعَتْ في إسرائيل بهدف الاقتصاص من منفذي برامج العراق العلمية . واِفراغُ العراق من مُفَكِّريه وعقوله وأَدْمِغَته ، مُخَطَّطٌ مُعَدٌّ بجهد مشترك وعمل مُوَحَّد من قبل أمريكا وإسرائيل – وهما اليوم وجهان لعملة واحدة – وتنفيذُ مُخَطَّط اغتيال النخبة العرابية ، تفف وراءه قوى مخابراتية صهيونية أمريكية ، فالموسادُ الصهيونيّ اتَّخَذ داخلَ العراق قواعدَ ومراكزَ كما اعترف بذلك أطرافٌ دوليةٌ وإقليميةٌ وإسرائيلية ، وتجاوز عددُ أعضائه المتواجدين اليوم بالعراق 5000 عضو . ويليه مخابرة أمريكية «السي آئي إيه» وهي مُتَّهَمةٌ بقتل عدد كبير من نُخَب العالم . وأفادت الأنباءُ تترى باعتقال وتعذيب واغتيال أئمة المساجد من السنّة ؛ حيث أصبح أهلُ السنة مغلوبي الأمر . وكان ذلك ضمن المُخطَّط الأمريكي المُسَبَّق ، باعتبارهم الطائفةَ التي ينتمي إليها صدام حسين ؛ فتخليفُهم وحرمانهُم السلطةَ كان انتقامًا منهم ثانيًا ، ومن صدام حسين أولاً . كما أن إثارة الطائفيّة بين الشعب العراقي والتحريش بين السنة والشيعة ، كان الهدفَ المنشود . وذلك انطلاقًا من مبدء الاستعمار منذ اليوم الأوّل : «فَرِّقْ تَسُدْ» .

     و«فَرِّقْ تَسُدْ» كان مبدءًا رئيسا اعتمده الاستعمار وعَمِلَ به شعارًان السنة والشيعة كان الهدفَ المنشور انطلاقًا من مبدء الاستعمار منذ اليوم الأو ، وصدر عنه في ترسيخ سلطته، وإطالة حكمه ، في جميع البلاد الْمُسْتَعْمَرَة. والمبدأ الثاني الذي تلاه كان تفتيتَ كل دولة من الدول المُسْتَعْمَرَة ، وتقسيمها إلى دويلات صغيرة وكيانات منفصلة متصارعة متناحرة ؛ لكي تفشل وتذهب ريحها ، ولاتعود قادرة على مقاومة استعمار حاضر أو استعمار غابر .

     وهذا ما تصنعه أمريكا اليوم مع العراق ، حيث تُحَرِّضُ الشيعةَ على السنة ، وتدعوهم إلى مغالبتهم ، وتنحيتهم عن السلطة ، واستبدادهم بالأمر. كما تُحَرِّض الطوائفَ بعضَها على بعض، وتحاول أن تُؤَمِّن عدمَ وصول السنة : أهل السلطة في الماضي إلى كرسي الحكم بنحو يجعلهم قادرين على تجديف سفينة البلاد وإدارة الأمور وصلاحية تنفيذ الكلمة ؛ فالأقلياتُ التي كانت موجودةً في العراق دائمًا ، أمثالُ : الأكراد ، والتركمان ، والأرمن وغيرهم، بدأت تبرز الآن، وترفع رؤوسَها عاليةً ، وتُحَدِّث نفسَها بتقاسم السلطة واستيفاء حقّها بشأنها على قدم المساواة الكاملة ؛ بل جَعَلَتْها أمريكا تَحْلُمُ بأخذ حقوقها أكثر من نصيبها منها ، على حين إنها ظلّت تُشَكِّل دائمًا رافدًا قويًّا في النسيج العراقي ، وظلّت راضيةً مطمئنةً بما تناله من الحقوق وما تُكَلَّف به من الواجبات ، وتَظُنُّ نفسَها وحدةً وفيّةً ضمنَ الوحدات التي تُشَكِّل الشعبَ العراقيَ المتعاضدَ المتماسكَ المتآزرَ ، الذي يتقاسم الأرباحَ والخسائرَ ضِمْنَ إطارِ دولة عراقية موحدة موطّدة الأركان مترامية الأطراف ، منصهرةً في الهوية الإسلاميّة التي لايمكن سلخُ العراق مِنها إلاّ إذا تلاشى هو وامّحى ، لاقَدَّرَ اللهُ ذلك . على كلّ فالعراق الآن إلى جانب ما تَتَجَرَّعُه من الآلام والويلات يكاد يَتَنَاثـَرُ عقدُه وتَتَمَزَّق وحدتُه وتتصارع أعراقُه ، من جراء الاستعمار الأمريكي المُمَدّ بالاستعمار البريطاني .

     وإلى جانب ذلك تحاول أمريكا سلبَ العراق عروبتَه ، وسلخَه من هويته العربية ؛ حيث أَمْلَتْ على قادة العراق في الإدارة الانتقالية أن يحذفوا من قانون إدارة الدولة الانتقالية المادةَ التي تقول : إن العراق جزء لايَتَجَزَّأُ من الأمة العربية ، وأن يستعيضوا عنها بمادة أخرى تنمّ عن أن العراق بلد متعدد القوميات ، وأن الشعب العربي فيه جزء من الأمة العربيّة ، على حين إن العراق ظل – كما هو المعلوم لدى الجميع – بلد عربي الواجهة ، والمظهر والمخبر، والطابع والانتماء ، والماضي والتأريخ ، يُشَكِّل العرب – كما يقول الصحفي العراقي الأستاذ هارون محمد – أكثر من ثمانين في المائة من أرضه وسكانه ، تعيش في وسطهم ورعايتهم أقليّات عدّة ، من ضمنها الأقلية الكردية ، التي لولا عربُ العراق – الذين حموها ، وحافظوا عليها، ومنحوها مكانةً متميّزةً ليست موجودة لها في تركيا وإيران وأذربيجان التي تضمّ ملايين الأكراد – لصارت أثرًا بعد عين ، ولما كان لها وجود الآن على الخريطة . وهذه حقيقة يدركها كلُّ منصف وعاقل . ومن هنا أسرع الدكتور عدنان الدليمي رئيس ديوان الوقف السنّي – جزاه الله خيرًا – إلى مطالبة الجامعة العربية والهيئات الإسلامية والدولية بالمسارعة إلى التدخّل ، لتثبيت عروبة العراق في الدستور الجديد ، الذي يؤمل الشروع بكتابته قريبًا . ومما يُشَكِّل مخاوفَ واقعية تجاه بقاء العراق على عروبته في زمن الأَمْرَكَة والصَّهْيَنَة أن أذناب الأمريكان وعملاءها في العراق يُرَدِّدون دونما تعب أن «القومية العربية» ومفاهيم الأمة الواحدة لم تعد صالحةً في الزمن الجديد . والمحللون يقولون : إن بعض الدول المعادية للعروبة والداعية إلى تبني روح «الشعوبية» تقف وراء ترويج مثل هذه المفاهيم .

     ويَنْصَبُّ في خَانَةِ الأهداف الأوليّة لأمريكا من وراء احتلال العراق أنّه توصّل إلى سدّة الحكم الانتقالي – الذي ينمّ عما يكون عليه الحكم الثابت القادم من الصبغة الانتمائية لصالح أمريكا وحليفتها إسرائيل – إدارةٌ أكثرُ أعضائها من الذين تعاونوا مع قيادة المحتلين على احتلال العراق ؛ فلم يكن مُسْتَغْرَبًا أن يكون من قرارات الإدارة المطالبةُ ببقاء قوات الاحتلال لمدة مديدة مجهولة ، ورفضُ رغبةِ من يطالبون بوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال .

     ومن نجاحات أمريكا فيما يتعلق بتحقيق أهدافها المنشودة ، أنها أصبحت مُتَحَكِّمة في مصدر الطاقة العراقيّة – إلى جانب تحكّمها في معظم شؤون العراق – منذ أن دحرت نظام صدام حسين ؛ فتتصرف في الناتج القومي ، والدخل الوطني ، والمال الذي يتأتى عن طريق النفط وغيره ، وجميع الثروات القومية ، كما تتصرف في داخلها هي قابعةً في ديوان الحكومة في واشنطن . ومن هنا تُبَذِّرها تبذيرًا ، وتتغاضى عن العابثين بأموال العراق ، وقد نشرت وسائل الإعلام العالمية فضيحةَ ماليّة مُورِسَتْ تحت إدارة أمريكا ، وتقاذفت هي التهم مع مسؤولي الأمم المتحدة التي هي الأخرى رهنُ إشارتها . وقد كشف المتحدث الإعلامي لهيئة علماء المسلمين بالعراق – الدكتور مثنى حارث الضاري – عن استيلاء الولايات المتحدة الأمريكية على أكثر من 75 مليار دولار من أموال العراق المُجَمَّدَة في مختلف دول العالم ، إضافة السيولة النقديّة التي نهبوها من المصارف العراقية ، وعلى رأسها البنك المركزيّ .

     وقال في تصريح خاصّ لـ«إخوان أون لاين»: إنّ فاتورة العدوان الأمريكي على العراق، تُدْفَعُ يوميًّا من المؤسسات النفطية . في إشارة إلى أنّ الإدارة الأمريكيّة غطّت تكلفةَ عدوانها على العراق. ولا يدرى إلاّ الله مدى النهب والسلب الجاري في الثروة العراقية بأيدي الأمريكان والصهاينة والشركات متعددة الجنسيّات المتحالفة بلادُها مع أمريكا ، التي تعمل على «إعادة بناء العراق» !.

     وهذا كله إلى أنّه بعد احتلال العراق عادت أمريكا تقوم بممارسات تجاه الدول العربية والإسلاميّة تُمَثِّلُ تَدَخُّلاً مباشرًا في شؤونها الداخلية ؛ فهي :

     (الف) تصدر من حين لآخر تقاريرُ وتصريحاتٌ حيال العالمين العربي والإسلامي ، هي في مجملها تأتي في دائرة الحملة الجارية لفرض المفاهيم والسياسات الأمريكية على العالم الإسلامي.

     (ب) تحرّكت اللجان العديدة من اللجان المتكاثرة في أمريكا بشكل يثير تساؤلات حائرة ، وينمّ عن مخاوف ومخاطر أمريكية كثيرة أخرى غير التي عانتها الدول العربية والإسلامية . من بينها لجنة الحريات الدينية ، ولجنة حقوق الإنسان ، ولجنة معاداة السامية ، ولجنة أسلحة الدمار وجرائم الحرب ، وما إلى ذلك من اللجان التي تأتي تقاريرُها دائمًا كحسام يلمع على رقاب الدول العربية والإسلامية .

     (ج) الديموقراطيةُ صارت مادةً شبهَ يومية في تصريحات المسؤولين الأمريكيين ، التي تتناقلها وسائلُ الإعلام ، والتي تعطي العالم الإسلامي والعالم العربي خصوصًا والعالم كله عمومًا دروسًا لازمة في الحياة السياسية المبنية على الديموقراطية الأمريكية ، مما جعل أمريكا كأنها مُعَلِّمٌ يُصْدِر التوجيهات ويُثْنِي على «التلاميذ المُجـِدِّين» ويُهَدِّدُ «التلاميذ المُهْمِلِيْنَ» ويمنح «الممتازين» منهم درجات التقدير ! ويطلق تحذيرات إلى «العاصين» منهم بالويل والثبور !.

     (د) أصبحت تُشَجِّعُ أمريكا بشكل يثير استغرابًا في العالمين العربي والإسلامي الشُّوَّاذ جنسيًّا ، والداعين والعاملين بالزواج المثلي والإباحيّة ، والبهائيين وعَبَدَة الشيطان ، والطوائف المارقة مثل شهود يهوه . وبدأت تطالب بحقوقهم وإعطائهم الحريةَ الدينيةَ الكاملةَ. وأفادت الأنباء أن لجنة الحريات الدينية الأمريكية المزعومة ، في زيارتها الأخيرة لمصر ، في الفترة مابين 16-23/ يوليو 2004م (الجمعة – الجمعة : 27/ جمادى الأولى – 5/ جمادى الثانية 1420هـ) فَاجَأَتِ الرأيَ العامَّ المصريَّ بإلحاحها على حقوق طوائف مرتدة تعادي الدين الرسمي: الإسلام ، في ذلك البلـد الإسلامي العـربي الأعرق . كما طالبت بإلغاء خانة الديانة في هوية المصريين ، واعتبرت انتشارَ الإباحيّة «تقدمًا» وتساءلت : لماذا لاتتضمّن كتبُ التاريخ التي يدرسها الطلبة موادَّ خاصّةً بالحقبة القبطيّة ؟!.

     (هـ) عن طريق عملاء مأجورين تحرِّض أمريكا المرأةَ في العالمين العربي والإسلامي ، ولاسيّما في المملكة العربية السعودية – التي هي على بعض علاّتها التي ينبغي أن تُزَال – أكثرُ الدول العربية والإسلامية تطبيقاً للدين على المستوى الرسميّ . وبذلك لايوجد نظيرها اليوم .. تحرِّضها على الخروج على قوانين الإسلام وتقاليده ، والأعراف العربية الإسلامية : من الاحتشام والحجاب ، وعدم الاختلاط ، والامتناع عن دواعي المحرمات ، والعمل في المكاتب التي يعمل فيها الرجال ، وما إلى ذلك من الاحتياطات التي ظلّت الحكومة السعودية تُقَيِّد بها المرأة ، حتى تتقيَ النار، وتتفادى غضبَ ربّها، مهما وُصِفَتْ بالظلامية والرجعية ، وما إليهما من الأوصاف ، التي اخْتَرَعَها أعداء الإسلام ، لإلصاقها بالمسلمين الملتزمين بالدين .

     وفي أفغانستان التي تحكمها أمريكا بعد احتلالها ، عن طريق عميلها الوفيّ المدعو بـ«حامد قرضاي» العملُ جارٍ على تحويل هذا البلد المسلم الغيور بلدًا يبدو كاملاً نسخةً من دولة غير إسلامية ، ولاسيما دولة أوربية ، أو ولاية أمريكية في العري والعار، وممارسة الإباحية ، والعلاقات الجنسيّة العلنية ، وصلات الغرام ، وترويج الاتصال الجنسيّ خارج إطار الزواج وقبله ، ونشر الأفلام الماجنة والتعليم المختلط ، ونزع الحجاب . حتى تم استبدال الزيّ المدرسي الأفغاني الساتر ، زيًّا غربيًّا بأمر من الحكومة مباشر. وفرضت الحكومة الأفغانية الأمريكية على جميع المدارس الحكومية والكليات والجامعات ، بالتقيد بهذا الزي الغربي الجديد . كما أمرت الحكومة بإتلاف 10 ملايين كتاب تمّ طباعتُها ونشرُها في أفغانستان خلال الجهاد الأفغاني ضد الروس . وكانت هذه الكتب مُقَرَّرَةً في مناهج التعليم في أفغانستان في الأعوام الماضية ، خاصّة بعدما وصلت حركة طالبان للحكم . كما قالت الأنباء أن الحكومة الأفغانية اعتمدت أوراقَ 60 حزبًا علمانيًّا في أفغانستان ، ورفضت اعتمادَ الأحزاب الدينية ، مطالبةً إيّاها بحذف كلمة «الإسلام» من أسمائها ، من أجل أن تعود لائقة للاعتماد . وأكّد المراقبون أن الهدف من الموافقة على هذا العدد الكبير من الأحزاب العلمانية الأفغانية هو تنفيذُ خطة أمريكية في المنطقة ، لتقليل نفوذ طالبان و المنظمات الجهاديّة السابقة . وقالوا: لايُوْجَدُ بين الأحزاب السياسيّة المُرَخَّصِ لها جماعةٌ تحمل برنامجًا إسلاميًّا أو توالي بشكلٍ باسقليل نفوذ طالبان و المنظمات الجهاديّة الساكستان ، بل إن غالبيةَ هذه الأحزاب موالية للغرب والهند . ولعلَّ أكبر المفاجآت هي عودة الأحزاب السياسيّة التي تَسَبَّبَتْ في تفجير الحروب الدموية فيما قبل طالبان في أفغانستان ، وتمكين الجيش السوفيتي من غزوها .

     وفي جانب آخر عادت المؤسسات التنصيرية توسّع نشاطاتها التعليمية والتنصيرية في أفغانستان بمؤازرة علنية مكشوفة من أمريكا والحكومة الأفغانية العميلة ؛ فقد تواترت الأنباء أن المؤسسات الإنجيلية تُوَاصِل نشاطَها غيرَ المحدود في أفغانستان ؛ حيث تمّ تسجيل 32 مُؤَسَّسَة تعليمية تعمل في أنحاء مختلفة من البلاد ، وتتّبع جميعُها مُنَظَّماتٍ دوليةً تعمل في مجال التنصير . وقد شرعت هذه المؤسسات في استقبال آلاف الطلاب الأفغان من مختلف الأعمار، ورَكَّزَت على المدن الأفغانية الكبيرة ، بما فيها العاصمة «كابول» . وتدير هذه المنظمات 12 مركزًا تعليميًّا وحرفيًّا في العاصمة الأفغانية «كابول» وحدها ، من بينها 8 مراكز للبروتستانت ، و 4 للكاثوليك . وهناك مدرسة أخرى تتبع هذه المؤسساتِ ، اُفْتُتِحَتْ مُؤَخَّرًا في ولاية «ننجرهار» يتعلّم فيها 3 آلاف طالب .

     وتنشط 9 مؤسسات تعليمية في «قندهار» و 7 مؤسسات في ميدان «وردك» و «خوست» و «هلمند» و «غزني» . وتحصل جميعُ هذه المؤسسات على التمويل من خارج أفغانستان وتحت الرعاية والعناية الأمريكية .

     في غضون ذلك عاد 40 طالبًا أفغانيًّا من أمريكا ، بعد أن تمّ إرسالهم في نهاية العام الماضي: 2004م ، ضمن مِنَحٍ دراسية ؛ حيث تَمَّ اختيارُهم من بين 600 طالب مُتَفَوِّقِين في دراستهم ؛ حيث تمّ اختيارهم ليُمَثِّلُوا ولاياتهم ومناطق مختلفة من البلاد . وبعد عودتهم إلى بلالفة من البلاد . ن في دراستهم ؛ حيث تمّ اختيارهم ليُمَثِّلُوا لماضي : 2004م ، ضمن مِنَحٍ دراسية ؛ حيث تَمَّ اخدهم عادوا لمواصلة تعليمهم في مدارسهم وكلياتهم وجامعاتهم . وكان الهدف من هذه الرحلة نشرُ الثقافة الأمريكية بين الشعب الأفغاني، وخاصّة بين الطبقات المثقفة والمتعلمة ، وتغييرُ صورة الأمريكي في أذهان الأجيال الأفغانية الجديدة ؛ حيث تمّ غسلُ أدمغة هؤلاء الطلاب المُوْفَدِين من أفغانستان إلى أمريكا. وذلك كله يجري ضمن المخطّط الذي أعدّته أمريكا لتغيير عقلية النشء الأفغاني من خير الإسلام إلى شرّ المسيحيّة الممسوخة .

     ومن المكاسب التي جنت أمريكا – من خلال دعاياتها المكثفة ضد الإسلام والمسلمين ، ووصفه عبر وسائل الإعلام والخطابات والتقارير، والبيانات والتصريحات ، بأنه إرهاب ، ووصفهم بأنهم إرهابيّون – أنّها جعلت الأمريكان المسيحيين والصهاينة يكرهون الإسلام والمسلمين. والكراهيةُ تزداد مع الأيام وتتفاقم في داخل أمريكا خصوصًا وأوربّا عمومًا ؛ فقد كشف أحدثُ تقرير عن أوضاع حقوق مسلمي أمريكا المدنية عن زيادةٍ قدرها 49٪ في عدد حوادث وممارسات التمييز التي تَعَرَّضَ لها مسلمو أمريكا خلال عام 2004م مقارنةً بعام 2003م . في حين ارتفعت جرائمُ الكراهية ضد مسلمي أمريكا خلال الفترة ذاتها ، بنسبة تفوق 50٪ . هذا إضافةً إلى الانتهاكات الناتجة عن تطبيق بعض سياسات الأمن القومي الأمريكي .

     ونتج عن انتشار خطاب العداء للإسلام والمسلمين ، الذي قادته وتقوده أمريكا في داخلها وفي أنحاء أوربّا أن بعض الدول الأوربية – والباقية في طريقها – أعطتِ الضوءَ الأخضرَ للإعلام لديها لوصف الإسلاميين بـ«الإرهاب» ؛ فقد أفادتِ الأنباءُ مؤخّرًا أن محكمة مقاطعة «زيورخ» العليا في «سويسرا». حكمت بأن «وصف الإسلاميين بالإرهابيين» والتحذير من «خطر انتشار الإسلام» لايقع تحت طائلة العقوبة ، ولا يُعَدُّ تحريضًا على كراهية عرق أو ديانة ، أو تشهيرًا به . جاء ذلك في معرض رفض المحكمة للدعوى التي رفعها د. أحمد العيسى – وهو سويسريّ من أصل فلسطيني – ضد جمعيّة «ديفيد» اليهودية السويسرية ، واتهمها فيها بالتحريض ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين ، وطالب بمعاقبتها، وفقًا للقانون الذي يُجَرِّمُ هذا التحريضَ .

     وكانت جمعية «ديفيد» نشرت عام 2002م رسالةً مفتوحةً للحكومة الفيدرالية السويسرية والرأي العامّ تطالبهم فيها باتخاذ الخطوات اللازمة في مواجهة «الإرهاب الإسلامي العربي الفلسطيني» وتشيد بما وصفته بـ«تَمَيُّزِ الحضارة المسيحية اليهودية على الإسلام» وتُحَذِّرُ من «أن خطر انتشار الإرهاب يأتي من داخل المساجد ، وليس من الكنائس والمعابد» !.

     على كل فأمريكا حقَّقَتْ أهدافًا كثيرة وجَنَتْ مكاسبَ لاتُحْصَىٰ عن طريق احتلالها لأفغانستان والعراق . وهي ماضية بخطى أسرع إلى تحقيق ما تَبَقَّىٰ من أهدافها من خلال ممارساتها في العراق وأفغانستان ، والمنطقة الإسلامية العربية الواسعة ، ولاسيما في الشرق الأوسط .

     إذا تحرّكت أمريكا وتتحرك ضمن المخطط الصليبي الصهيوني الشامل ، فإنها لن تتردّد ولن تستحيي ولن تعتذر – ولَمَّا تعتذر – عن أية ممارسة تقوم بها ضد الإسلام والمسلمين مهما كانت شنيعة بشعة يندّد بها العالم كله ؛ فهي لم تعتذر عن إساءة جنودها إلى القرآن الكريم وتدنيسه في «غوانتانامو» وعن إساءة جنودها ومسؤوليها الكبار الذين باشروا تعذيبَ المعتقلين وإهانتهم بشكل تعدَّى جميعَ الحدود التي ربّما لم يَتَعَدَّها بعدُ الشيطان الرجيم . والإساءةُ إلى المقدسات الإسلامية منهجٌ ثابتٌ لدى الصهاينة والأمريكان المتحركين اليوم صادرين عن الروح الصليبيّة .

     وربّما كان أهم مكسب حققته أمريكا من خلال احتلال العراق – ومن قبل أفغانستان – هو ما ظهر للعيان من بوادر تفتيت الأمّة إلى كتل عرقية وطائفية ومذهبية ، وتفتيت بلادنا – بدءًا من العراق – إلى دويلات متناحرة ، بشكل أشنع مما تمَّ من توزيع الدول العربية والإسلامية إلى دويلات متناحرة ، على عهد الاستعمار الراحل الذي خَلَفَه الاستعمار الأمريكي في هذه الدول .

     والعراقُ اليوم أكبرُ صخرة أمام المدّ المتنامي من تنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني الصليبي . فلئن نجحت أمريكا – لا قَدَّرَ الله – في إزالة «الصخرة العراقية» فالطريقُ مُمَهَّدٌ نفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني الصليبي . في هذه الدول .

 أشنع مما تمّ من توزيع الدول العرلها إلى المنطقة العربية الواسعة ؛ حيث ستتناول كلَّ دولة إثر أخرى لتُمَزِّقَها تمزيقًا لن تقوم لها قائمة بعده ؛ فلا تهمّ بعد ذلك أبدًا بمقاومة أمريكا أو إسرائيل في شأن أي مشروع تمليه عليها مهما كان سُمًّا قاتلاً للإسلام والمسلمين والعروبة .

     والأملُ معقودٌ على العراقيين الصامدين اليوم ، الذين سيحطّمون المخطط الأمريكي الصهيوني وسيدفنونه في ترابهم الذي ظلّ يبتلع كثيرًا من مؤامرات الأعداء وحوادث الزمن . فثباتًا أيها العراقيون ! في بلد الخليفة العباسي العظيم هارون الرشيد الذي قال لقطعة من السحاب اعترضتِ السماءَ : «اُمْطُرِي حيثُ شِئْتِ فسيأتيني خِرَاجُك». كان توفيقُ الله حليفَكم ونصرُه قرينَكم . وصدق الله العظيم : «وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُوْنَ» (الصافات / 173) .

(تحريرًا في الساعة :307 من صباح يوم الخميس 7/جمادى الثانية 1426هـ = 14 بسيارة مفخمِّلاً في الاغتيال 12/يوليو2005م)

نور عالم خليل الأميني

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1426هـ = يوليو – سبتمبر 2005م ، العـدد : 7–6 ، السنـة : 29.